الجمعة، 17 يونيو 2016

سخاء نفس

بينما نحن في المستشفى نعود والدنا المريض - شفاه الله وعافاه - إذ دخل رجل صافح والدي وسأله عن حاله، مناديا إياه بـ"الحاج". فحمد الله ودعا له بالبركة. فردّ عليه بكلام ينعش النفس وبدعاء سخيّ بالشفاء والعافية ثمّ انصرف.

ليس العجيب في صنيع هذا الرجل، بل العجيب أننا لا نعرفه ولا يعرفنا، والأعجب أنه يفعل هذا مع جميع المرضى، والأعجب من ذلك كله أنه يفعل ذلك يوميّا منذ مدة لا تقلّ عن أربع سنوات، بشهادة أهلي الذين رأوه وقتها خلال إقامة والدي في المستشفى.

هنيئا له هذه النفس السخية والأجر بإذن الله تعالى.


الأربعاء، 6 يناير 2016

{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ}

ما من مكان أحبّ إليها من بيتها ومضجعها. ولا تفارقهما إﻻ مضطرّة وعلى مضض.

تخرج إلى الشارع فترى ما ﻻ يعجبها.. لعلّ ما بداخلها قد تغيّر، فهي تؤمن بأن الإنسان يرى الأشياء بمنظار قلبه. تخاف فتفضّل النظر إلى اﻷرض.

في طريقها تمرّ بعدد ﻻ يُحصى من الناس، فرادى وجماعات. وعند مرورها يصل إلى سمعها في كثير من اﻷحيان جزء من حديث بعضهم، فيتكرر في ذهنها وهي تمشي مطأطئة رأسها، وهي تفكّر كيف نشأ ذاك الحوار، ولماذا، وكيف كانت حال كلّ واحد قبل الحوار، وكيف ستكون بعده.. وينتهي بها اﻷمر إلى نفس الاستنتاج في كل مرة إﻻ نادرا : {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} (النساء 114). فهذا يخوض في عرض ذاك، وذاك يشتكي من البشر والكون بأسره، والآخر يتباهى بما امتلك وما فعله من خير بل ومن شر، وآخر يستعرض عضلاته وغيره يخوض فيما يجهله، وآخر يقضي الساعات وهو يتحدث عن نفس الفكرة ويكرر ما يقوله بصيغ أخرى، ما تقدّمَ بأنملة، ناهيك عن الذي ينتقى أبشع اﻷلفاظ ...
ويتلخص حديث أغلب الناس - إﻻ من رحم ربي-  حول :
- أنا جيّد وهم سيّئون.
- أنا مظلوم وهم ظالمون.
... والصيغ تتشابه إجماﻻ.

ينقبض قلبها وتشمئز من هؤلاء، ومن هذه الحوارات العقيمة التي تزيدنا أوزارا على أوزار، ومن هؤﻻء الذين يطنبون في سرد القيم النبيلة واﻷخلاق عندما ﻻ تجري اﻷمور بما ﻻ تشتهي أنفسهم، أو ببساطة عندما يكونون برفقة شخص ما، ثم ﻻ يترددون في طعن غيرهم  عند أول فرصة تتاح لهم.
وهاهي تجد نفسها قد وقعت في الفخّ ذاته الذي وقعوا فيه.. فقطعت حبل أفكارها لتعود إلى هدوئها النسبي، وحثّت خطاها نحوالبيت.


{لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء (114)


 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ".

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّمَ : "كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ، ﻻ لَهُ، إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرًا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ".


السبت، 12 سبتمبر 2015

سمائي









سُعدت هذه الليلة برؤية أضواء الحيّ مطفأة. فخطر ببالي مباشرة أن أصعد إلى مكاني
 المفضّل : سطح البيت. وكذلك فعلت.

لم تكن السماء خالية من ضوء يكدّر جمالها ولكنني لم أكن لأضيّع هذه الفرصة النادرة.

استلقيت كعادتي وأطلقت العنان لنفسي فجال بصري بين أنحاء الكون، أو على اﻷقل ما تستطيع عيني أن ترى منه. فيالجمال ما رأيت ! وسبحان من خلق فأبدع ! وما أجلّ معنى التسبيح في الآية العظيمة :

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء 44 ]


أريد أن أتأمّل وأفكّرَ في كلّ ما يشغل ذهني من أمور جارية وعالقة.. لكن وأمام عِظم هذا الكون لا أجد لنفسي الصغيرة حجما يبرّر لها هذا القلق الكبير، فسُرعان ما تذوب همومي وأفكاري ويعجز عقلي عن التفكير لوهلة وتسترخي أعضائي وأنسى الدنيا وأختلي بسمائي التي لطالما شهدت تقلّباتي في هذه الدنيا. تذكّرت يوم دمعت عيناي فرحا برؤية ما أراه عادة في الصور على الحاسوب، وأياما كثيرة ناجيْت فيها ربّي وغيرها من اللحظات المميزة التي رسخت في ذاكرتي.

ثمّ حدّقت في بعض النجوم المضيئة في محاولة لكشف أسرارها التي حيّرتني واستعسرت عليّ، بل على أكبر علماء الكون منذ أن خُلق الإنسان.. هاهي ذي كالدُّرر تبرق أمامي"ببساطة" بكل ما أوتيت من جمال. وجال بصري على رسوم رسمتها عقول البشر منذ عصور، اعتدت أن أهتدي بها وأن أُحدّث عنها بعض الفضوليّين المُهتمّين بأسرار السماء. ما أجمل ذلك البريق في أعينهم عندما يشاهدون شيئا كُشفت عنهم بعض حقائقه لم تكن تخطر لهم على بال.
ولم تكن سوى لحظات حتى ذكرت قوله تعالى : 

{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [الأنبياء 104] 

أخشى على تلك اﻷوقات من ضعف لغتي فلن أجازف بوصف ما انتابني من شعور حينها.. فقط دعوْت في تلك اللحظات النفيسة بما فاض به قلبي من أمنيات تتوق إليها نفسي.. تلك اللحظات التي لا أدري كيف استطعت العيش من دونها طيلة السنوات الأربع الماضية...  لحظات يُعاد فيها ترتيب الأولويات المطلقة في الحياة وتهدأ فيها النفوس وتحيا من جديد..


سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.