الخميس، 5 سبتمبر 2013

أطيب الثمر

ﻻ تزال تذكر تلك الأيام.. كانت تضع في أذنيها تلك السمّاعات وتستمع بكلّ انتباه وتركيز إلى الدروس، وقلبها ينبض ويمتلئ بما تعطّش إليه طوال تلك السنوات الضائعة من حياتها.  كانت كالأرض التي مرت السنوات دون أن تنزل عليها قطرة ماء واحدة، وفجأة جاء الصيب النافع الطيّب ليملأها حياة وبهجة. كانت لديها أسئلة عالقة أجّلتها إلى أن يحين وقتها، ولم تكن تدري آنذاك متى يحين هذا الوقت.
تحدّثت مع من قَطَع طريقا طويلة وشاقة حتى وصل إلى الإسلام وإلى تعلُّم العربية. كيف لهؤلاء أن يسبقوها بأشواط وهي التي وُلدت ونشأت في بيئة مسلمة، والعربية هي لغتها الأمّ؟ رأت منهم إخلاصا تامّا لله، وإسلاما صادقا ونقيّا من كلّ الشوائب، وما أكثرها! أُعجبت بإيمانهم، وبدأت تشعر بتقصيرها المخجل، ولم تلبث حتى عقدت نيّة الالتزام، ولو كان بطيئا.. وهبها الله صحبة الصالحين ورغدت عيشا معهم مع أنّها كانت تعيش لوحدها.


 وسرعان ما استيقظت من ذلك الحلم الجميل، وواجهت أخيرا من حولها وهم يخوضون فيما ﻻ يعلمون...  يقولون أن الدين يأمر الإنسان بإعمال عقله، لكن هل يُعقل أن يعمل عقله لتغيير الدين؟ هل يدمّر الدين نفسه؟

يقولون أننا لسنا رُسُلا ولا صحابة، ولن نكون. فلنعش كما يعيش الناس في عصرنا. ألهذه الدرجة عميت أبصارنا عن ذنوبنا؟ ألهذه الدرجة استغنينا عن الأجر؟ ألهذا الحد نحن متأكدون من إخلاصنا لله وأنه قبل عملنا؟ وما فائدة القرآن والقَصص إن لم نتّعظ به؟ نحتفل كل سنة بعيد الأضحى وكلنا نعلم قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، نعلم مدى إخلاصهما لله تعالى ألا نتّعظ ولو بجزء من المائة؟

يقولون ما العيب إذا قمنا بكذا وكذا من محرّمات  وبِدع فنحن لن نضرّ أحدًا.. يكنّون الحقد لمن أراد أن يستقيم،أليس من مظاهر الاستقامة أن يحسّن سلوكه مع غيره، وبهذا يكونون هم المستفيدين من التزام غيرهم؟ يعترفون بهذا ولكنهم يحاربون ما بداخله من معتقدات بغض النظر عن أفعالهعازمون على مقاومة الإسلام حتى في قلوب الناس، ولو بدا منهم أحسن الخُلق.

إن الإسلام ﻻ يتوجّه بالخطاب إلى العلماء فحسب، بل إلى جميع الناس، ذوي العقل السليم، أما الفطرة السليمة فهي تمهّد لهذا الخطاب العظيم وتؤيده.

يقولون تشدّد. كم أكره هذه الكلمة. هل يقصدون أن من  أراد تطبيق أحكام الإسلام كلها يُسمّى متشددا؟ هل الرسول عليه الصلاة والسلام كان متشددا، حاشاه؟
بسيطة، أليس كذلك؟ كل شيء رهين لحظة صدق مع الله جل وعلا يعترف المرء فيها بغلطه ويغيّر مساره إلى ما يرضاه خالقه.

يقولون زماننا ليس كزمانهم... من أي زاوية يتحدّثون؟ هل من زاوية التاريخ؟ أم التقدّم العلمي؟ وعلى كلّ حال، هل يعني هذا أن نترك أحكام الإسلام جانبا، وأن نبتدع وأن نفعل ما كان عليه آباؤنا ، أو أغرب من ذلك، أن نتّبع من ينفق الأموال لصدّ المسلمين ولجعل حياتهم شاقة حيثما كانوا؟
لمَ هان الدين في نظرهم كلّ هذا الهوان؟

 يرفضون الجهاد بأنواعه، ويقبلون أن يكون للدولة جيش يدافع عنها. أليس المؤمنون هم جيوش الدولة الإسلامية؟

 ينظرون إليهم تلك النظرة المليئة بالاشمئزاز والنفور، ويطنبون في شتم أولئك "الملتحين والمنتقبات"، فما أكثر تلك الحوارات الطويلة حول "تخلّفهم وجهلهم بقيم الحضارة" من جهة، و"خطورتهم ﻷنهم ﻻ يترددون في القتل أو في التضحية بحياتهم من أجل الدين" من جهة أخرى.
 ﻻ يفهمون لِمَ قيل أن القرآن صالح لكل زمان ومكان. فنظرتهم "التقدّميّة" ترى أن الزمان قد تطوّر وأنّه يجب "تعديل بعض الأحكام" لتتأقلم مع الواقع، كالربا وغيره...

 يظنّون أنهم غسلوا أدمغة أبنائهم "بتلك الأفكار الإرهابية". كيف لتلك اﻷدمغة، التي بعضها أحرز نتائج درسية متميّزة، أن يحمل تلك "اﻷفكار الرجعية"؟ كيف يرجحون النقل على العقل؟ ﻻ يُعقل!! أﻻ يتساءلون للحظة ماذا لو كان الآخرون على صواب؟



 يتفوّهون بألفاظ جارحة وتعلو أصواتهم بحجج واهنة وﻻ يخلو حديثهم من قلّة التناسق... لكن المرء ﻻ يزال يرتقي في سلّم الرقيّ حتى تبدر منه الكلمة الطيبة عندها يُقذف بالكلام الجارح.

كن كالنّخيل عن الأحقاد مرتفعا *** يُرمى بصخر فيلقي أطيب الثمر



هذا ما يعلّمه الإسلام.. وهو كلّ لا يتجزّأ.