الثلاثاء، 21 يناير 2014

ليس استثناء

الجوّ دافئ. نظرت إلى السماء فإذا هي زرقاء صافية، أو بالكاد. نظرت إلى الأفق فرأت بعض الغيوم المسودّة. لم تأبه لشأنها فهي بعيدة فوق بلد آخر. انشغلت عنها وواصلت سيرها مع رفيقاتها. بعد هنيهة، بدا لها ضوء الشمس أخفتَ من المعتاد. لقد غشتها بعض السحب. اقتربت تلك الغيوم السوداء. لم يمنعها هذا من العودة إلى الانشغال مع رفيقاتها.

لكن الظّلام ظلّ يزداد وبدأت العتمة تغشو المكان. ماذا تفعل؟ لا تزال بعيدة عن بيتها. وهي الآن ليست في أمان. نظرت إلى صاحباتها، يتحدّثن كأن شيئا لم يكن، يمشين بخطى ثابتة، كأنّهنّ يرون الطريق، كأنّهنّ لم يشعروا بالغيوم التي أظلمت المكان
مرّت لحظات وهي في قلق، لم تعد ترى شيئا، حتى صديقاتها اختفين وتوارين في الظلمات. حتى أصواتهنّ صارت بعيدة. توقّفت فهي لم تعد تستطيع السّير. تسمّرت في مكانها خائفة مذعورة، يكاد قلبها يخرج من صدرها. أطرافها وكلّ جسدها يرتعد. لم تعد تسمع إلا صوت أنفاسها المتقطعة. بكت. لا تدري لمَ كلّ هذا الخوف، ولا هذا البكاء. لا تدري ايضا من أين أتت الغيوم... ﻻ تدري.
ضاق صدرها حتّى أنّها ظنّت أنها تحتضر.
 تحرّك لسانها بدعوات لا تذكرها، دعت ربّ العباد أن ينجّيها.

ازدادت دقّات قلبها سرعة، حتى جمدت يداها ولم تعد تستطيع تحريكهماهبّت رياح عاتية هزّتها هزًّا حتّى فقدت السيطرة على جسدها. هناك شيء لم تعرفه ولكنّه ينتزع روحها انتزاعا. ما هذا الشيء الذي تقاومه؟ ﻻ تدري لكنّ همّها الآن هو الخلاص. كيف تخلص؟ ظلّت تذكر الله وتردّد دعواتها وتحمد الله على ما أتاها.






مكثت مكانها مدّة لا تستطيع تقديرها، مكثت مستسلمة لا يقدر أحد على مساعدتها، كيف وهم لا يرون ما تراه؟ مكثت داعية ذاكرة مستغفرة حتى رحِمها الله، فسكنت الرياح وبدأ ضوء الشمس يظهر من جديد، ومعه الهدوء. هدأت شيئا فشيئا. كانت مرهقة منهكة.
نظرت إلى الشمس فإذا بها تستعدّ لتتوارى وراء الهضاب. أسرعت إلى بيتها.. تهاوت على فراشها ثمّ نامت بسلام.



يقال أنّ رفرفة جناحيْ فراشة في جنوب الأرض قد يسبّب عاصفة في شمالها.. 



يا من أمرك الله بالإحسان في القول: {الرَّحْمَنُ *عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1-4]*
 {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1-3].
يا من عناه النبيّ عليه الصلاة والسلام وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟  رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ 
 يا من تفكر في نفسك أغلب الوقت، أنت لا تدري وقع كلامك لدى غيرك،  يا من تظنّ أنّ هذا استثناء.... ليس استثناءً.


*ومِن ثَمّ كان على الإنسان أن يُحْسِنَ استخدام هذه النعمة، فلا يكون نطقه إلاَّ ما فيه طاعةٌ لله، وإلاَّ فالصمت أَوْلَى (مقتبسة)

تفسير الجلالين ﴿علَّمه البيان﴾ النطق.

تفسير الميسر خلق الإنسان، علَّمه البيان عمَّا في نفسه تمييزًا له عن غيره.



الخميس، 16 يناير 2014

"بلِّغوا عنّي ولو آية"

بسم الله الرحمن الرحيم،



لم أرَ قطّ أرقى من خُلق النبيّ صلى الله عليه وسلّم. فهو ينظر إلى الأمور بمنظار آخر مختلف، منظار التؤدة والحِكمة والرّصانة.وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة 269]
فمن سار في طريقه بهذا الزاد من الخير، أمن لنفسه طمنأنينتها وسكينتها. فهو يحميه من عواصف الانفعال الزائد كما يحمي المعطف لابسه من المطر والبرد الشديد.

عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذي " . 

من يردّ الإساءة بالإساءة كمن يصبّ الزيت على النار ظانّا أنه سيطفئها. ارتقى بنا الإسلام، بفضل من الله وحده، إلى درجات عالية، فلا يرضى لنا أن ننزل من منازل عالية إلى أخرى دنيا لا شأن لنا بها. ما أعطر تلك السنّة

اللهم اجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.



 الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر : 18]




الجمعة، 3 يناير 2014

في متاهات نفسي


خطوات ثقيلة .. يُسمع لها وقع خافت فوق التراب.
تعمّ المكانَ ظلمة حالكة. حتى النجوم توارت وراء الغيوم.

ليست خائفة.. اطمأنت فهي الآن في مأمن من الذئاب.
هي راضية. ومؤمنة بأن العاصفة ستمرّ 
وأنّ نور السماء سيظهر من جديد.
لكنها مرهقة من الركض لتنجو من السباع.

أخذت نفسا عميقا، تنفست رائحة الأرض المبتلة بالمطر
رائحة الطين الذي خُلقت منه زادتها اطمئنانا.
برق يضيء ورعد يدوّي..

نظرت بجانبها فإذا بها ترى فتاة جميلة، تمشي مثلها بتثاقل..
وجهها يتألق نورا. اطمأنت إليها..
أمسكت بيدها ثم واصلتا السير معًا.
حتى هدأت العاصفة.
أشرقت الشمس ولوّنت تلك الظلمات..

تمسّكت بيدها، ابتسمتا وحثتا الخطى..