الأربعاء، 6 يناير 2016

{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ}

ما من مكان أحبّ إليها من بيتها ومضجعها. ولا تفارقهما إﻻ مضطرّة وعلى مضض.

تخرج إلى الشارع فترى ما ﻻ يعجبها.. لعلّ ما بداخلها قد تغيّر، فهي تؤمن بأن الإنسان يرى الأشياء بمنظار قلبه. تخاف فتفضّل النظر إلى اﻷرض.

في طريقها تمرّ بعدد ﻻ يُحصى من الناس، فرادى وجماعات. وعند مرورها يصل إلى سمعها في كثير من اﻷحيان جزء من حديث بعضهم، فيتكرر في ذهنها وهي تمشي مطأطئة رأسها، وهي تفكّر كيف نشأ ذاك الحوار، ولماذا، وكيف كانت حال كلّ واحد قبل الحوار، وكيف ستكون بعده.. وينتهي بها اﻷمر إلى نفس الاستنتاج في كل مرة إﻻ نادرا : {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} (النساء 114). فهذا يخوض في عرض ذاك، وذاك يشتكي من البشر والكون بأسره، والآخر يتباهى بما امتلك وما فعله من خير بل ومن شر، وآخر يستعرض عضلاته وغيره يخوض فيما يجهله، وآخر يقضي الساعات وهو يتحدث عن نفس الفكرة ويكرر ما يقوله بصيغ أخرى، ما تقدّمَ بأنملة، ناهيك عن الذي ينتقى أبشع اﻷلفاظ ...
ويتلخص حديث أغلب الناس - إﻻ من رحم ربي-  حول :
- أنا جيّد وهم سيّئون.
- أنا مظلوم وهم ظالمون.
... والصيغ تتشابه إجماﻻ.

ينقبض قلبها وتشمئز من هؤلاء، ومن هذه الحوارات العقيمة التي تزيدنا أوزارا على أوزار، ومن هؤﻻء الذين يطنبون في سرد القيم النبيلة واﻷخلاق عندما ﻻ تجري اﻷمور بما ﻻ تشتهي أنفسهم، أو ببساطة عندما يكونون برفقة شخص ما، ثم ﻻ يترددون في طعن غيرهم  عند أول فرصة تتاح لهم.
وهاهي تجد نفسها قد وقعت في الفخّ ذاته الذي وقعوا فيه.. فقطعت حبل أفكارها لتعود إلى هدوئها النسبي، وحثّت خطاها نحوالبيت.


{لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء (114)


 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ".

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّمَ : "كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ، ﻻ لَهُ، إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرًا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ".